فصل: قال في ملاك التأويل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: خرج إبراهيم من النار يعرق لم تحرق النار إلا وثاقه، فأخذوا شيخًا منهم فجعلوه على نار كذلك فاحترق.
وأخرج عبد بن حميد عن سليمان بن صرد. وكان قد أدرك النبي- صلى الله عليه وسلم- أن إبراهيم لما أرادوا أن يلقوه في النار، جعلوا يجمعون له الحطب فجعلت المرأة العجوز تحمل على ظهرها، فيقال لها: أين تريدين؟ فتقول: أذهب إلى هذا الذي يذكر آلهتنا. فلما ذهب به ليطرح في النار {قال إني ذاهب إلى ربي سيهدين} [الصافات: 99] فلما طرح في النار قال: حسبي الله ونعم الوكيل. فقال الله: {يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم} فقال أبو لوط- وكان عمه- إن النار لم تحرقه من أجل قرابته مني. فأرسل الله عنقًا من النار فأحرقته.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير، عن على بن أبي طالب في قوله: {قلنا يا نار كوني بردًا} قال: بردت عليه حتى كادت تؤذيه، حتى قيل: {وسلامًا} قال: لا تؤذيه، وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لو لم يقل: {وسلامًا} لقتله البرد، وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: إن أحسن شيء قاله أبو إبراهيم لما رفع عنه الطبق وهو في النار، وجده يرشح جبينه فقال عند ذلك: نعم الرب ربك يا إبراهيم.
وأخرج ابن جرير عن شعيب الجبائي قال: ألقي إبراهيم في النار وهو ابن ست عشرة سنة، وذبح إسحاق وهو ابن سبع سنين، وأخرج ابن جرير عن معتمر بن سليمان التيمي، عن بعض أصحابه قال: جاء جبريل إلى إبراهيم وهو يوثق ليلقى في النار قال: يا إبراهيم، ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا.
وأخرج ابن جرير عن أرقم، أن إبراهيم عليه السلام قال: حين جعلوا يوثقونه ليلقوه في النار: «لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين، لك الحمد ولك الملك لا شريك لك».
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله: {قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا} قال: السلام لا يؤذيه بردها، ولولا أنه قال: {سلامًا} لكان البرد أشد عليه من الحر.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله: {فأرادوا به كيدًا فجعلناهم الأخسرين} قال: ألقوا شيخًا في النار منهم لأن يصيبوا نجاته كما نجا إبراهيم فاحترق. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي مالك في قوله: {إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين} قال: الشام.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بن كعب في قوله: {إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين} قال: الشام. وما من ماء عذب إلا يخرج من تلك الصخرة التي ببيت المقدس، يهبط من السماء إلى الصخرة ثم يتفرق في الأرض. وأخرج ابن عساكر عن عبدالله بن سلام قال: بالشام من قبور الأنبياء ألفا قبر وسبعمائة قبر، وإن دمشق معقل الناس في آخر الزمان من الملاحم.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس، قال لوط: كان ابن أخي إبراهيم عليهما السلام.
وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال: لما هرب إبراهيم من كوثي وخرج من النار، ولسانه يومئذ سرياني، فلما عبر الفرات من حران غيّر الله لسانه فقلب عبرانيًا حيث عبر الفرات، وبعث نمرود في نحو أثره وقال: لا تدعوا أحدًا يتكلم بالسريانية إلا جئتموني به، فلقوا إبراهيم يتكلم بالعبرانية فتركوه ولم يعرفوا لغته.
وأخرج ابن عساكر عن حسان بن عطية قال: أغار ملك نبط على لوط عليه السلام فسباه وأهله، فبلغ ذلك إبراهيم فأقبل في طلبه في عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر، فالتقى هو وتلك النبط في صحراء معفور، فعبى إبراهيم ميمنة وميسرة وقلبًا، وكان أول من عبى الحرب هكذا، فاقتتلوا فهزمهم إبراهيم واستنقذ لوطًا وأهله.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية {ونجيناه} يعني إبراهيم {ولوطًا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين} قال: هي الأرض المقدسة التي بارك الله فيها للعالمين؛ لأن كل ماء عذب في الأرض منها يخرج، يعني من أصل الصخرة التي في بيت المقدس، يهبط من السماء إلى الصخرة ثم يتفرق في الأرض.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر، عن قتادة رضي الله عنه {ونجيناه ولوطًا} قال: كانا بأرض العراق، فانجيا إلى أرض الشام. وكان يقال: الشام عماد دار الهجرة، وما نقص من الأرض زيد في الشام، وما نقص من الشام زيد في فلسطين. وكان يقال: هي أرض المحشر والمنشر، وفيها ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام وبها يهلك الله شيخ الضلالة الدجال.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {إلى الأرض التي باركنا فيها} قال: الشام.
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب رضي الله عنه في قوله: {إلى الأرض التي باركنا فيها} قال: إلى حران.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما {ووهبنا له إسحاق} قال: ولدًا {ويعقوب نافلة} قال: ابن ابن. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه {ووهبنا له إسحاق} قال: أعطاه {ويعقوب نافلة} قال: عطية.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الكلبي في الآية قال: دعا بالحق فاستجيب له وزيد يعقوب.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن الحكم قال: النافلة ابن الابن.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وجعلناهم أئمة يهدون} الآية. قال: جعلهم الله أئمة يقتدى بهم في أمر الله. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إبراهيم (69)}.
قوله: {بَرْدًا}: أي: ذاتَ بَرْد. والظاهر في {سلامًا} أنه نَسَقٌ على {بَرْدا} فيكونُ خبرًا عن {كُوني}. وجَوَّز بعضُهم أن ينتصِبَ على المصدرِ المقصودِ به التحيةُ في العُرْفِ. وقد رُدَّ هذا بأنَّه لو قُصِد ذلك لكان الرفعُ فيه أولى نحو قولِ إبراهيم: {سَلاَمٌ} [هود: 69]. وهذا غيرُ لازمٍ؛ لأنه يجوزُ أَنْ يأتيَ القرآنُ على الفصيحِ والأفصحِ. ويَدُلُّ على ذلك أنه جاء منصوبًا، والمقصودُ به التحيةُ نحو قول الملائكة: {قَالُواْ سَلاَمًا} [هود: 69].
وقوله: {على إبراهيم} متعلق بـ نفس {سلام} إنْ قُصِد به التحيةُ. ويجوزُ أن يكونَ صفةً فيتعلَّقَ بمحذوفٍ. وعلى هذا فيُحْتمل أَنْ يكونَ قد حَذَف صفةً الأول لدلالةِ صفةِ الثاني عليه تقديرُه: كوني بَرْدًا عليه وسلامًا عليه.
{وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأرض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)}.
قوله: {وَلُوطًا}: يجوز فيه وجهان، أحدهما: أَنْ يكونَ معطوفًا على المفعولِ قبلَه، والثاني: أن يكونَ مفعولًا معه. والأول أَوْلى. وقوله: {إِلَى الأرض} يجوز فيه وجهان، أحدهما: أَنْ يتعلَّق بِنَجَّيْناه على أن يُضَمَّنَ معنى أخرَجناه بالنجاة. فلمَا ضُمِّنَ معنى أخرج تعدَّى تعديتَه. والثاني: أنه لا تضمينَ فيه، وأنَّ حرفَ الجرِّ يتعلَّقُ بمحذوفٍ على أنه حالٌ من الضمير في {نَجَّيْناه} أي: نَجَّيْناه مُنْتَهيًا إلى الأرض. كذا قدَّره الشيخ. وفيه نظرٌ: من حيث إنه قَدَّر كونًا مقيَّدًا، وهو كثيرًا ما يَرُدُّ على الزمخشري وغيرِه ذلك.
{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72)}.
قوله: {نَافِلَةً}: قيل في تفسير النافِلة: إنها العَطِيَّةُ. وقيل: الزيادةُ. وقيل: وَلَدُ الولد. فعلى الأول تنتصِبُ انتصابَ المصادر من معنى العامل وهو {وهبنا}، لا من لفظِه؛ لأنَّ الهِبَةَ والإِعطاءَ متقاربان فهي كالعاقبةِ والعافية. وعلى الأخيرين تنتصِبُ على الحالِ، والمرادُ بها يعقوب. والنافِلَةُ مختصةٌ بـ: يعقوب على كلِّ تقديرٍ؛ لأن إسحاقَ ولدُه لصُلْبه.
قوله: {وَكُلًا} مفعولٌ أولُ لـ: {جَعَلْنا} و{صالحين} هو الثاني، توسَّط العاملُ بينهما. والأصل: وجَعَلْنا أي: صيَّرْنا كُلًا من إبراهيم ومَنْ ذُكر معه صالِحِين.
{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)}.
وقوله: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً}: كما تقدَّم إلاَّ أنه لم يُوَسَّطِ العاملُ. و{يَهْدون} صفةٌ لـ {أئمة}. و{بأَمْرِنا} متعلق بـ {يَهْدُون}. وقد تقدَّم التصريفُ المتعلق بـ لفظ أئمة وقراءةُ القراءِ فيها.
قوله: {فِعْلَ الخيرات} قال الزمخشري: أصلُه أن تُفْعَلَ الخيراتُ، ثم فِعْلًا الخيراتِ، ثم فِعْلَ الخيراتِ، وكذلك وإقامَ الصلاة وإيتاءَ الزكاةِ. قال الشيخ: كأنَّ الزمخشريَّ لمَا رأى أَنَّ فِعْلَ الخيراتِ وإقامَ الصلاةِ وإيتاءَ الزكاةِ ليس من الأحكامِ المختصةِ بالموحى إليهم، بل هم وغيرُهم في ذلك مشتركون بُني الفعلُ للمفعولِ، حتى لا يكونَ المصدرُ مضافًا من حيث المعنى إلى ضميرِ المُوْحَى إليهم، فلا يكونُ التقدير: فِعْلَهم الخيراتِ، وإقامتَهم الصلاةَ، وإيتاءَهم الزكاةَ. ولا يلزَمُ ذلك؛ إذ الفاعلُ مع المصدرِ محذوفٌ. ويجوزُ أَنْ يكونَ من حيث المعنى مضافًا إلى ظاهرٍ محذوفٍ، ويشملُ الموحى إليهم وغيرَهم. والتقديرُ: فِعْلَ المكلَّفين الخيراتِ. ويجوز أن يكونَ مضافًا إلى ضمير الموحى إليه أي: أن يفعلوا الخيراتِ، ويُقيموا الصلاةَ، ويُؤْتُوا الزكاةَ، وإذا كانوا هم قد أُوْحي إليهم ذلك فأتباعُهم جارُوْن مَجْراهم في ذلك، ولا يَلْزَمُ اختصاصُهم به. ثم اعتقادُ بناءِ المصدرِ للمفعولِ مختلَفٌ فيه. أجاز ذلك الأخفشُ. والصحيحُ مَنْعُه فليس ما اختاره الزمخشريُّ بمختارٍ.
قلت: الذي يَظْهر أنَّ الزمخشريَّ لم يُقَدِّرْ هذا التقديرَ، لِما ذكره الشيخ، حتى يُلْزِمَه ما قاله، بل إنما قَدَّر ذلك لأنَّ نفسَ الفعلِ الذي هو معنى صادرٌ مِنْ فاعلِه لا بوَحْيٍ، إنما بوحيَ ألفاظٍ تَدُلُّ عليه، وكأنه قيل: وأَوْحَيْنا هذا اللفظ، وهو أن تُفْعَلَ الخيراتُ، ثم صاغ ذلك الحرفَ المصدريَّ مع ما بعده مصدرًا منوَّنًا ناصبًا لِما بعده، ثم جَعَلَه مصدرًا مضافًا لمفعولِه.
وقال ابن عطية: والإِقام مصدرٌ. وفي هذا نظر. انتهى. يعني ابن عطية بالنظر أنَّ مصدرَ أَفْعَل على الإِفعال. فإن كان صحيحَ العينِ جاء تامَا كالإِكرام، وإنْ كان معتلَّها حُذِف منه إحدى الألفين، وعُوِّض منه تاءُ التأنيث فيقال إقامة. فلمَا لم يُقَلْ كذلك جاء فيه النظر المذكور. قال الشيخ: وأيُّ نظرٍ في هذا؟ وقد نَصَّ سيبويه على أنَّه مصدرٌ بمعنى الإِقامة وإنْ كان الأكثرُ الإِقامةَ بالتاء، وهو المقيسُ في مصدر أفْعَل إذا اعتلَّتْ عينُه. وحَسَّن ذلك أنه قابَلَ {وَإِيتَاءَ الزكاة} وهو بغير تاءٍ، فتقع الموازنةُ بين قوله: {وَإِقَامَ الصلاة وَإِيتَاءَ الزكاة}.
وقال الزجاج: حُذِفَتِ التاءُ مِنْ إقامة لأنَّ الإضافة عوضٌ عنها. وهذا قولُ الفراءِ: زعم أنَّ التاءَ تُحْذَفُ للإضافة كالتنوين. وقد تقدم بَسْطُ القولِ في ذلك عند قراءةِ مَنْ قرأ في براءة {عُدَّةً ولَكِن كَرِهَ} [التوبة: 46]. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأخسرين} [الأنبياء: 70]، وفي الصافات: {فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ} [الصافات: 98]، هنا سؤالان: أحدهما: ما وجه الاختلاف مع اتحاد المقصود في الموضعين؟ والثاني: ما وجه اختصاص كل من الموضعين بما ورد فيه؟
والجواب عن السؤالين معًا: أن الخاسر عندنا من فقد ما بيده من مال أو سبب كان يعتمده لدنياه ومعاشه، أو محاولة فسدت عليه فساءت حاله، لذلك ومهما استحكمت حاله في ذلك كان أخسر، وقد جعل سبحانه في الخسران المبين من خسر الدنيا والآخرة، وأعلمنا تعالى أن الأخسرين لا يقام لهم وزن في القيامة، قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخسرين أَعْمَالًا} [الكهف: 103] إلى قوله: {فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105]، فلا أدون حالًا من هؤلاء. ولما أراد قوم إبراهيم، عليه السلام، به الكيد ألحقهم تعالى بهؤلاء عقوبة توافق مرتكبهم وسوء انتحالهم، والأخسرون هم الأسفلون، وهذا كان مطلب الكافر في الآخرة وتمنيه لو بلغه إلحاق من أضله من الجن والإنس بهذا النمط، قال تعالى مخبرًا عن حالهم في الآخرة: {رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} [فصلت: 29]، فالصفتان من الخسران والسفالة غاية حالة الكافر، ومن كان من الأسفلين فقد خسر خسرانًا مبينًا، فلا تضاد بين الصفتين سوى أن السفول لاحق في ذات المسفل، والخسران حقيقة في خارج عنه، فالسفول أبلغ، فقد ما هو لاحق خارجي، وأخر ما لا يتعدى ذات المتصف تكملة وتتمة، إذ هو أبلغ على ما يجب وعلى ما قدمنا من رعي الترتيب، والتسفل ضد التعالى، فورد كل على ما يجب ويناسب، وقيل روعي في آية والصافات مقابلة قولهم: ابنوا له بنيانًا، لأنه يفهم منه إرادتهم علو أمرهم بفعلهم ذلك، فقوبلوا بالضد، فجعلوا الأسفلين. قال معناه صاحب الدرة، وهو حسن، والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إبراهيم (69)}.
لو عَصَمَه من نار نمرود ولم يمكنه مِنْ رَمْيه في النار من المنجنيق لكان- في الظاهر- أقرب من النصر، ولَكِن حِفْظَه في النار من غير أَنَّ يَمَسَّه أَلَمٌ أتمُّ في باب النصرة والمعجزة والكرامة.
ويقال إن إبراهيم- عليه السلام- كان كثيرًا ما يقول: أواه من النار!
قال تعالى: {إِنَّ إبراهيم لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114].
فلمَا رُمِيَ في النار، وجعل اللَّهُ عليه النارَ بَرْدًَا قيل له: لا تقُلْ بعد هذا. أواه من النار! فالاستعاذةُ بالله مِنَ الله... لا من غيره.
قوله: {وسلامًا}: أي وسلامةً عليه وله، فإنه إذا كان للعبد السلامة فالنارُ والبَرْدُ عنده سِيّان.
ويقال إن الذي يحرق في النار مَنْ في النار يقدر على حِفْظِه في النار.
ولمَا سَلِمَ قلبُه من غير الله بكل وجهٍ في الاستنصار والاستعانة وسَلِمَ من طَلَبِ شيءٍ بكلِّ وجهٍ... تعرَّض له جبريلُ- عليه السلام- في الهواء وقد رمي من المنجنيق وقال له:
هل مِنْ حاجة؟
فقال: أمَا إليكَ.. فَلاَ!
فجعل اللَّهُ النار عليه بردًا وسلامًا؛ إذ لمَا كان سليمَ القلبِ من الأغيار وَجَد سلامة النَّفْسِ من البلايا والأعلال.
{وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأخسرين (70)}.
مَنْ حَفَرَ لأوليائه وقع فيما حَفَر، ومَنْ كان مشغولًا بالله لم يَتَوَلَّ الانتقام منه سوى الله.
{وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأرض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)}.
مَضَتْ سُنَّةُ اللَّهِ في أنبيائه- عليهم السلام- أنه إذا نَجَّى منهم واحدًا أشرك معه مَنْ كان مُسَاهِمًا له في ضُرِّه ومُقَاساةِ مشقته.
{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72)}.
مَنَّ عليه بأن أخرج مِنْ صلبه مَنْ كان عابِدًا لله، ذاكرًا له، فإنَّ مفاخِرَ الأبناءِ مناقِبُ للآباء، كما أنَّ مناقبَ الآباء شرفٌ للأبناء.
{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)}.
الإمامُ مُقَدَّمُ القوم، واستحقاقُ رتبةِ الإمامة باستجماع الخصال المحمودة التي في الأمة فيه، فَمَنْ لم تتجَمعْ فيه مُتَفَرِّقاتُ الخِصالِ المحمودةِ لم يستحق منزلةَ الإمامة. اهـ.